“التشاطر” اللبناني يصل الى المساعدات التربوية الفرنسية
تسديد 5 ملايين يورو وعلامات إستفهام بشأن بعض المستفيدين رغم الضوابط
“فرنسا لن تترك المدارس الفرنكوفونية في لبنان تنهار، تدرك الصعوبة الإقتصادية التي تعانيها حالياً، كما الأهالي الذين يعانون من دفع الأقساط”، هذا ما أعلنه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في 24/7/2020 خلال لقائه رؤساء مؤسسات المدارس الفرنكوفونية، معلناً عن 15 مليون يورو لمساعدة القطاع التربوي.
وعدت فرنسا وبدأت تفي، فخصصت 5 ملايين يورو كمساعدة طارئة للعائلات غير الفرنسية التي يتعلم ابناؤها في المدارس المشاركة ببرنامج تعاون مع وزارة التربية الفرنسية écoles homologuées وتم إبلاغ إداراتها بأسماء المستفيدين لديها والمبالغ المخصصة لهم.
المعايير الفرنسية والشفافية ولغة الارقام
فرنسا “المفجوعة” بحجم الفساد في لبنان والذي لا يقتصر على الطبقة السياسية بل أضحى مستشرياً في كافة شرائح المجتمع، دعت كل طالب مساعدة لتعبئة إستمارة مفصّلة. كما تحاشت التسديد للمواطنين مباشرة كي تكفل أن الاموال ستخصص للأقساط وكذلك التسديد للمدارس بشكل مقطوع خوفاً من أن لا تخصّص هذه الأموال للمساعدة المباشرة للطلاب.
تمّ تقديم 19 ألف ملف الى السفارة الفرنسية في بيروت عبر المؤسسات التربوية المعنية وعددها 45. جرت غربلة أولى من قبل إدارات المدارس التي حدّدت بالتراتبية ملفات الطلاب الأكثر حاجة بناء على معرفتها بواقع أسرة كل طالب.
دُرس فريق في السفارة هذه الملفات للتأكّد منها طيلة 10 أسابيع. إستفاد 9 آلاف تلميذ من المساعدات وتراوحت بين30% و100% من القسط .بلغ عدد المستفيدين بين 4 و784 تلميذاً في كل مؤسسة أي 30% من طلابها كحد أقصى.
“التشاطر” اللبناني
مع بدء تبليغ أهالي المستفيدين راحت تطرح أسئلة مشروعة عن إستفادة بعضهم فيما يوجود طلاب بالتأكيد أكثر حاجة. فمن بين المستفيدين مثلاً من والدهم موظف مصرف وأخرين يعيش في فرنسا ويرسل fresh money . عائلة ثالثة والدها عسكري – أي يحصل على مساعدات مدرسية – وسدّدت أقساط الأولاد كاملة. فيما أم لديها 4 تلاميذ، في احدى المدارس الكسروانية – أحدهم يعاني من صعوبات ويحتاج لمتابعة- لم تحصل على مساعدة رغم ان زوجها عاطل عن العمل. راجعت المدرسة التي أحالتها إلى السفارة. حاولت الإتصال ولكن لم تنجح بالتواصل مع المعنيين بالملف.
عملية إستقصاء أوصلتنا الى أن الخلل الأساسي يكمن بتكليف المدارس ترتيب طلبات المساعدة بدءاً من الأكثر حاجة، إذ إن الإدارات وضعت في رأس اللائحة ملفات من يتأخرون في سداد الأقساط ولم تكلّف نفسها عناء عدم إدراج المستفيدين من مساعدات مدرسية من ضمنهم. من يدري قد تكون عوامل العلاقات الشخصية أو القربى لعبت دوراً ايضاً!!! كما أن ضيق الوقت نسبة لحجم الطلبات التي تدفقت ربما لم يساعد على تمحيصها جيداً خصوصاً أن هناك من بين ذوي الطلاب من لم يصرّح بحقيقة أوضاعه وأعطى معلومات مغلوطة!!!
عملياً المواطن المسؤول والذي يقترض المال أحياناً كي لا يتأخر عن سداد الأقساط وضاقت به الأيام، حُرم أقلّه من المساواة مع بعض الذين يدمنون التلكؤ عن الدفع. كما أن المواطن “المتذاكي” الذي تقدم بطلب مساعدة فرنسية – رغم حصوله على مساعدات بحكم عمله – يحرم من لا مساعدة له من فرصة الحصول على الدعم وهذا وجه من وجوه الفساد.
باتور: الطلب على المساعدة تضاعف 5 أو 6 مرات
العضو في المجموعة التي تهتم بالمدارس التي يوجد لديها برنامج تعاون مع وزارة التربية الفرنسية أي écoles homologues ورئيس مدرسة سيدة الجمهور الاب اليسوعي شربل باتور أوضح عبر “أحوال” أنه “بعدما تهافت عدد كبير من أولياء الطلاب على تقديم طلبات مساعدة، طلب الفرنسيون أن تقوم إدارات المدارس بترتيب الملفات بدءاً من الطلاب الأكثر حاجة”.
أردف: “عادة في مدرسة سيدة الجمهور والمدارس الكبرى تقدم مساعدات بشكل مستدام ولدينا قاعدة بيانات ولوائح إسمية بالطلاب الأكثر حاجة الذين يتم تصنيفهم وفق معايير واضحة وشفافة. لذا رفعنا كل الطلبات التي وردتنا واضعين في رأس القائمة الطلاب الأكثر حاجة وفق التصنيف الذي نعيد النظر به سنوياً”.
ورداً على السؤال، أجاب بشفافية: “لن أخفي سراً إننا سعينا لتجديد قاعدة البيانات قدر المستطاع لإدراكنا أن الازمة التي تعصف بلبنان أرخت بثقلها على شرائح مجتمعية لم تكن سابقاً بحاجة لمساعدة. مشكورة فرنسا لأنها خففت جزئياً عن كاهلنا همّ تأمين المساعدات، فالطلب هذا العام تضاعف 5 أو 6 مرات”.
عن هامش الخطأ، يأسف الأب باتور أن “الفساد او التذاكي في لبنان لا يقتصر على السياسيين بل يشمل أيضاً كل مجتمعنا إذ كثر ممن تقدموا بطلبات ربما ليسوا بحاجة لمساعدة ولكن طمعوا أن فرنسا قد تساعد الجميع”.
بالطبع مبادرة فرنسا مقدّرة ومشكورة وحرصها على الشفافية واضح وجلي، وما الأضاءة على هذا الخلل الذي – وإن كان حجمه محدوداً ربما – إلا عربون وفاء للشعب الفرنسي الذي تُدفع المساعدات من جيوبه وكي لا يهدر أي euro منها من جهة، وحرصاً على أن تغطي أكبر شريحة من الطلاب الأكثر حاجة عوض أن يستفيد منها “المتذاكون” الذين لا يقلّون سوءاً عن الفاسدين.
جورج العاقوري